تجسد الكلمة – القديس البابا اثناسيوس
هدف القديس أثناسيوس في هذا الكتاب هو إثبات ألوهية الرب يسوع المسيح، الكلمة المتجسد. فهو الذي خُلق به العالم وبه جُددت الخليقة كلها ” وهكذا يستطيع المرء أن يدرك أن تجديد الخليقة قد تم بواسطة الكلمة الذي هو خالق الخليقة في البدء”[1]. وفي إيضاحه لهذه الحقيقة، يشرح لماذا اتخذ الكلمة الأزلى طبيعتنا البشرية، ثم أخذ يعدّد أهداف التجسد شارحًا إياها بأسلوب أخضع فيه العقل للإيمان. فقد كان اهتمامه الأساسى هو التعبير عن التقليد الكنسى الذي استلمه، وليس الخوض في أمور ميتافيزيقية افتراضية. لقد كان شاغله الأول هو النمو الروحى للإنسان المسيحى، وتوضيح أن معرفة الله، تأتى فقط من خلال الإيمان بالمسيح، لهذا كان يركّز في تعاليمه على عقيدة تجسد ابن الله والفداء الذي قدّمه للبشرية، وهذا ـ حسب تعاليم القديس أثناسيوس ـ يستلزم الإيمان السليم بألوهية السيد المسيح وإنسانيته معًا، وذلك في مقابل الفكر الآريوسى الخاطئ الذي كان يحاول أن يلغى حقيقة الفداء وأهميته. فلو لم يكن السيد المسيح هو الله بالحقيقة ـ كما أن الآب هو الله بالحقيقة (بسبب وحدتهما في الجوهر) ـ لما كان في الإمكان أن يفدى البشرية من الموت والفساد. ولو لم يكن الابن هو الإله الذي تجسد، لما كان ممكنًا أن يؤلّهنا نحن عندما اتحد بطبيعتنا[2]، كما يقول القديس أثناسيوس ” لأن كلمة الله صار إنسانًا لكى يؤلّهنا نحن”[3].
[1] تجسد الكلمة فصل 1/4.
[2] يشدّد القديس أثناسيوس على هذا الأمر وبكل وضوح في دفاعه عن ألوهية الابن في مقالاته الثلاثة ضد الآريوسيين. انظر: المقالات الثلاثة ضد الآريوسيين. ترجمة وإصدار المركز الأرثوذكسى لدراسات الآباء بالقاهرة، مايو 1998م: 1/39 ، 2/47 ، 2/59 ، 2/70 ، 3/33.
[3] تَجَسُّد الكلمة 54/3. وهذا التعبير عند الآباء لا يعنى أن الإنسان يصير بطبيعته إلهًا ، بل يعنى أنه يشترك في الحياة الإلهية، حياة البّر والقداسة.